فمرت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة فأبصروا البقرة عنده فسألوه أن يبيعها منهم ببقرة فأبى فأعطوه اثنتين فأبى، فزادوه حتى بلغوا عشرا فأبى، فقالوا له والله لا نتركك حتى نأخذها منك، فانطلقوا به إلى موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالوا يا موسى إنا وجدنا عند هذا بقرة فأبى أن يعطينا إياها وقد أعطيناه ثمنها. فقال له موسى أعطهم بقرتك، فقال: يا رسول الله أنا أحق بمالي، فقال صدقت. وقال للقوم أرضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهبا فباعهم إياها وأخذ ثمنها، فذبحوها وفعلوا ما أمروا به من ضرب القتيل ببعضها فأحياه الله فأخبر بقاتله.
ومن الدليل أيضا على صحة قول مالك ما روي أن القسامة كانت في الجاهلية فأقرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإسلام ليتناهى الناس عن القتل. فظاهر هذا أنها مقرة في الإسلام على ما كانت عليه في الجاهلية، وقد كانت العرب في الجاهلية تقبل دعوى المقتول على قاتله وتحكم به. وأيضا فإنه ليس المبتغى في إيجاب القسامة القطع والبت، وإنما المبتغى شبهة تنضاف إلى دعوى الولاة تقويها وتلطخ المدعى عليه حتى يغلب على الظن صدق دعواهم، ولذلك سمي لطخا ولوثا، كل ذلك حراسة للدماء ومنعا من الاجتراء عليها. والمعلوم من حال الناس عند الموت الإنابة والاستشعار للتوبة والإقلاع عن المعاصي والندم عليها، هذا ما لا يدفع ضرورة، فإذا أخبر في تلك الحال بقاتله غلب على الظن صدق مقاله إذ يبعد أن يتهم من هو في تلك الحال أن يريد أن يبوء بإثم القتل.
فصل
وأما قوله قتلني فلان خطأ ففي ذلك عن مالك روايتان:
إحداهما: أن قوله يقبل وتكون معه القسامة كالعمد.