فصل

وجميع الذنوب تمحوها التوبة إن تاب منها قبل المعاينة بإجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: 8] وعسى من الله واجبة. وقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] وقول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». فإن مات ولم يتب منها كان في المشيئة لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. وقوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] معناه لمن شاء. إلا القتل عمدا فإنهم اختلفوا في قبول توبته وإنفاذ الوعيد عليه على قولين:

ذهب جماعة من السلف والخلف إلى أنه لا توبة له، وأن الوعيد لاحق له، ممن روي ذلك عنهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وزيد بن ثابت. روي أن سائلا سأل ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة عمن قتل رجلا مؤمنا متعمدا هل له من توبة فكلهم قال: هل تستطيع أن تحييه؟ هل تستطيع أن تبتغي في الأرض نفقا أو سلما في السماء؟ وروي أن ابن عمر سئل عن ذلك فقال: ليستكثر من شرب الماء البارد، يعني أنه لا توبة له. وروي أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال للسائل كالمتعجب من مسألته: ماذا تقول؟ فأعاد عليه، فقال ماذا تقول؟ مرتين أو ثلاثا ثم قال: ويحك! وأنى له بالتوبة؟ وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه روي عنه أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب. ويؤيد هذا المذهب ما روي أن رسول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015