واختلفوا أيضا في رجوعه عن الإقرار، فالذي عليه فقهاء الأمصار أنه يقال ويقبل رجوعه. وقال ابن أبي ليلى وعثمان التيمي لا يقبل رجوعه. وقال ابن الماجشون من أصحابنا يقال إذا قال إنما أقررت لوجه كذا وكذا بما يشبه. وهو دليل أحد قولي مالك في المدونة. وقال الأوزاعي إذا رجع عن إقراره على نفسه أربع مرات قبل إقامة الحد عليه حد حد القذف لأنه قد قذف نفسه، وهذا بعيد. والصحيح أنه يقال وإن جحد الإقرار أصلا. والأصل في ذلك «أن ماعز بن مالك لما رجم ومسته الحجارة هرب فاتبعوه فقال: ردوني إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يردوه وقتلوه رجما، فلما علم بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "فهلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه».

واختلفوا في هذا المعنى في إقرار الأخرس على نفسه بالإشارة، فقال الشافعي ومالك إنه يقام عليه الحد بإقراره إذا فهم عنه. وقال أبو حنيفة لا يقام عليه الحد بإقراره بالإشارة لأنه لا يمكنه أن يفرق بها بين الوطء الحلال ووطء الزنى، وهذا غير صحيح، لأن ذلك يمكن أن يعبر عنه بالإشارة تعبيرا يفهم عنه ويقطع عليه منه.

فصل

وأما ظهور الحمل ممن لم يعلم لها في الظاهر زوج. فاختلف فيه مذهب مالك وأصحابه إلى أن ذلك يوجب عليها الحد إلا أن تكون لها بينة على أنها تزوجت أو استكرهت. وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يقام عليها الحد لأنها يشبه ألا تكون زنت. والغالب من حال الناس عدم الزنى فلا يجب أن يحمل عليها الزنى إلا بيقين، وأشد ما في هذا أن تكون شبهة تذهب عنها الحد. وهذا ليس بصحيح، لأن هذا لو كانت شبهة لوجب أن يكون قوله إذا شهد عليها بالزنا إنها امرأتي شبهة تسقط عنه الحد. ولو كان ذلك لم يكن سبيل إلى إقامة الحد في الزنى أبدا. وأيضا فإن إقامة الحد عليها إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لأن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015