فصل

فأما وجوب الحد بالاعتراف فلا خلاف فيه إذا كان المعترف على نفسه بالغا عاقلا يصح منه الاعتراف ليس بصبي ولا مجنون. والأصل في ذلك كتاب الله تعالى وسنة نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فأما الكتاب فقوله تعالى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فوجب أن يلزمه ويؤخذ به. وقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] الآية. وأما السنة «فرجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماعزا بإقراره على نفسه» «ورجمه المرأة التي أقرت بالزنى على نفسها إذ جاءت وهي حامل فقال لها: اذهبي حتى تضعي فلما وضعت قال: اذهبي حتى ترضعيه» الحديث. وقوله «يا أنيس اغدُ على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» في حديث العسيف. وإنما اختلفوا هل يقام الحد بإقراره على نفسه مرة واحدة أو لا يقام عليه حتى يقر على نفسه أربع مرات. فقال مالك والشافعي إنه يقام عليه بإقراره مرة واحدة إذا ثبت عليه ولم يرجع عنه. وقال أبو حنيفة لا يقام عليه الحد حتى يقر على نفسه أربع مرات في أربع مجالس، وهو مذهب ابن شهاب على ما روي «أن رجلا اعترف على نفسه بالزنى عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهد على نفسه أربع مرات فأمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرجم». وهذا لا حجة لهم فيه لأنه إنما أقر على نفسه أربع مرات لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعرض عنه استثباتا في أمره، لأنه خشي أن يكون به جنة فلما سأل عنه وأخبر أنه صحيح أمر به فرجم. وقد قال في حديث العسيف «واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يقل أربع مرات، ولو كان ذلك واجبا لقاله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015