على قولهما تقييد الوطء بالمباح دون المحظور، وإنما يصح تقييده على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن الوطء المحظور لا يقع به تحليل ولا يكون به إحصان. وأما الإسلام فالمخالف في صحة اشتراطه في وجوب الرجم الشافعي وأبو حنيفة. وحجتهما ظاهر قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان فيما أنزل الثيب والثيبة فارجموهما البتة، ورجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهوديين. وهذا ما لا حجة فيه. أما قول عمر بن الخطاب ففيه إضمار الإحصان. وإن اختلفا فيه فهما يقولان إنه الحرية ونحن نقول إنه الإسلام والحرية جميعا. وأما رجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهوديين فإنما رجمهما بحكم التوراة لا بشرع الإسلام. وكذلك قال ابن عمر رضي الله عنه: «رجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهوديين وحد المسلمين يومئذ الجلد ولم يكن لهم حينئذ ذمة» على ما بيناه فيما تقدم، فلا تعلق لهما بالحديث.

والدليل على صحة قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أشرك بالله فليس بمحصن». وهذا نص في موضع الخلاف إن كان ثابتا. ومن طريق القياس أن نقص الكفر أكثر من نقص الرق، لأن الكفر هو سبب الرق. فإذا كان نقص الرق يمنع الإحصان فنقص الكفر أولى بأن يمنعه. ومعنى آخر وهو أنه قد قيل إن الكفار غير مخاطبين بشيء من شرائع الإسلام، لقول الله عز وجل: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] فإذا كان الزنى بدليل هذه الآية غير محرم على الكافرين فكيف يصح أن يرجموا على ما لم يحرم عليهم ولا خوطبوا باجتنابه.

فصل

ولا اختلاف بين أحد من أهل العلم في وجوب الرجم على الزاني باجتماع هذه الأوصاف، وإنما يخالف في ذلك الخوارج المارقة، وهم غير معتد بخلافهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015