الزانيين المحصنين أو عامة في الصنفين فلا بد أن تكون إحداهما ناسخة لصاحبتها، إما الأولى بالثانية، وإما الثانية بالأولى. ثم الناسخة منهما لصاحبتها منسوخة إما بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] على مذهب من رأى أنهما في الزانيين المحصنين، أو بآية الجلد وما أنزل الله من الحكم بالرجم على مذهب من رأى أن الآيتين عامتان في الصنفين، فقيل: إن الثانية هي الناسخة للأولى. وقال إسماعيل القاضي: إن الأولى في التلاوة هي الناسخة للثانية، وذلك أن الزانيين في صدر الإسلام كانا يحنصان ويحبسان ويشهدان فنسخت بقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] وهذا بعيد لأن من حق الناسخ أن يكون واردا بعد المنسوخ، والتلاوة تدل أن الثانية وردت بعد الأولى، لأن الهاء من قوله فيها: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء: 16] عائدة على الفاحشة المذكورة في الآية الأولى. ولا يصح أن تكون هاء الكناية عائدة على ما لم يذكر بعد إلا أنه يؤيده ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لما نزلت آية الجلد قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة والرجم».
فكان الرجم من عند الله عز وجل بأحد وجهين:
إما بنص أوحي به إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قوله: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فكان يتلى على أنه وحي ولم يكن قرآنا، إذ لو كان قرآنا لم يخل أن يكون محكما أو منسوخا، ولا يصح أن يكون محكما إذ لو كان محكما لثبت بين اللوحين ولما صح سقوطه، لأن الله تعالى قد حفظ القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].