بعد ذلك وكذلك قول من قال: إن الآية نزلت في الذين حكم فيهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما حكم من قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم بعيد أيضا لمخالفة حكمه فيهم ما تضمنته الآية من العقوبات مع تظاهر الآثار بأن الآية إنما وردت بعد الذي كان من حكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هؤلاء الرهط المذكورين.

فصل

وأولى ما قيل في الآية أن الله أنزلها على رسوله إعلاما منه له بالحكم فيمن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل الإسلام وأهل الذمة، وأن سبب نزولها كان نقض ناقض من أهل الذمة من بني إسرائيل عهده وسعيه في الأرض بالفساد. وإنما قلنا إن ذلك أولى ما قيل في الآية لأن القصص التي قصها الله قبل هذه الآية وبعدها من قصص بني إسرائيل وأنبيائهم وأن تكون هذه الآية المتوسطة بين ذلك تقتضي تعريف الحكم فيهم وفي نظائرهم أولى ما قيل في ذلك مع ما روي عن ابن عباس أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب نقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فيحتمل أن يكونوا من بني إسرائيل والله أعلم وأحكم.

فصل

وليس معنى قول مالك ومن قال بقوله في تخيير الإمام في عقوبة المحارب إنه يفعل فيه بالهوى، ولكن معناه أنه يتخير من العقوبات التي جعلها الله جزاءه ما يرى أنه أقرب إلى الله وأولى بالصواب بالاجتهاد فكم من محارب لم يقتل هو أضر على المسلمين ممن قتل في تدبيره وتأليبه على قطع طرق المسلمين.

فصل

فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير فوجه الاجتهاد فيه قتله أو صلبه لأن القطع لا يرفع ضرره عن المسلمين. وإن لم يكن على هذه الصفة وأخذ بحضرة خروجه أخذ فيه بأيسر ذلك وهو الضرب والنفي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015