نزلت في «الرهط من عرينة أو عكل الذين أتوا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ريف وإنا استوخضنا المدينة، فأنزلهم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود وكفروا بعد إسلامهم فأتي بهم إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة يستطعمون فلا يطعمون ويستسقون فلا يسقون حتى ماتوا». روي هذا عن أنس بن مالك وجاء عنه أنه أحرقهم بالنار بعد قتلهم.
ولم يعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل بأحد غير هؤلاء قبل ولا بعد. وثبت عنه أنه نهى عن المثلة. واختلف في حكم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هؤلاء الرهط، فقيل: إنه منسوخ، نسخه نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المثلة، وقيل: إنه نسخ بهذه الآية وإنها إنما نزلت عتابا لما فعل بهم، وقيل: إنه حكم ثابت في نظرائهم أبدا غير منسوخ لأنهم ارتدوا وقتلوا وحاربوا وسرقوا، فحكمهم غير حكم من حارب وسعى في الأرض فسادا من أهل الإسلام وأهل الذمة الذين ثبت الحكم فيهم بالآية. وقيل: إنهم سملوا أعين الرعاء فلذلك سمل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعينهم. وقيل: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسمل أعينهم لكنه أراد أن يفعل ذلك فأنزل الله الآية فعرفه بالحكم فيهم ونهاه عن سمل أعينهم.
فصل
فأما قول من قال إن الآية نزلت في المشركين الحربيين فإنه بعيد جدا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فيها: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34]. ولا اختلاف أن توبة الحربي تسقط عنه بالرمة من الأحكام في حال كفره سواء أسلم قبل القدرة عليه أو