فصل
في بيان ما يجب فيه القطع من الأموال.
ويجب القطع في مذهب مالك في كل ما يتمول ويجوز بيعه، سواء كان مباح الأصل أو غير مباح الأصل، سواء كان مما يبقى أو مما يسرع إليه الفساد، خلاف قول أبي حنيفة فيما يسرع إليه الفساد، وخلاف قوله وقول الشافعي فيما كان مباح الأصل كالماء والحطب والكلأ وشبهه. وتعلق أبو حنيفة في ألا قطع في الطعام الذي لا يبقى ويسرع إليه الفساد، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا قطع في ثمر ولا كثر» لأنه تأول أن القطع إنما يسقط في ذلك لأنه مما لا يبقى واعتل ذلك أيضا من طريق النظر بأن ما لم يحرز بغيره لا قطع فيه وإن كان محرزا بنفسه، فما يحرز بغيره وليس بمحرز بنفسه أولى ألا يقطع فيه، وليس هذا بشيء، والصحيح قول مالك، والدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لأنه عموم فلا يخص منه شيء إلا بدليل، ولا دليل لأبي حنيفة يصح به التخصيص في سرقة بعض الأموال إلا تأويله على الحديث، وتأويله عليه يعارض بما هو أولى منه، وذلك أن الحرز لم يأوه فلذلك لم يجب فيه القطع.
فصل
في ترتيب القطع في السرقة
وإذا سرق السارق قطعت يده اليمنى، ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى، ثم إن سرق قطعت يده اليسرى، ثم إن سرق قطعت رجله اليمنى، ثم إن سرق ضرب وحبس. هذا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومذهب أهل الحجاز. ولم ير أن يقتل بعد الرابعة على ما روي «عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية جابر بن عبد الله أنه أتي بعبد قد سرق فقطع يده اليمنى، ثم أتي به بعد ذلك قد سرق فقطع رجله اليسرى، ثم أتى به بعد ذلك قد سرق فقطع يده اليسرى، ثم أتي به بعد قد سرق فقطع رجله اليمنى، ثم أتي به بعد قد سرق فقتله» لأنه حديث غير صحيح. وفي حديث