يقال: إن هذه أمة حملت في ملك واطئها بولد حر على أبيه فحرم بيعها اعتبارا بحال حملها. وإنما قلنا في ملك واطئها تحرزا من حمل الأمة الزوجة، وقلنا بولد حر على أبيه تحرزا من إعتاق سيد الأمة إياه لأنه يكون حرا لا من جهة أبيه. وهذا القياس مبني على صحة الاستدلال باستصحاب حال الإجماع، وهو استدلال صحيح، وبه احتج أبو سعيد البراذعي على داود القياسي حين ناظره في هذه المسألة، فانقطع ولم يحر جوابا. وذلك أن داود القياسي استدل عليه باستصحاب الحال فقال: قد اتفقنا على جواز بيعها قبل العلوق فمن زعم أن بيعها بعد الولادة لا يجوز فعليه إقامة الدليل. فقال أبو سعيد: ما أنكرت أن هذا مقابل بما هو أولى منه وهو أنا قد اتفقنا على منع بيعها حاملا، فمن زعم أنها إذا وضعت جاز بيعها فعليه إقامة الدليل قال: فسكت ولم يقل شيئا. فلأهل العلم في بيع أمهات الأولاد ثلاثة أقوال:
أحدها: قول مالك وكافة العلماء: إنها لا تباع أصلا في الدين ولا غيره وتعتق من رأس المال.
والثاني: قول أهل الظاهر: إنها تباع في الدين وغيره ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث. وللشافعي مثله في مواضع من كتبه، ثم قطع في أربعة عشر موضعا من كتبه أنهن لا يبعن في دين وغيره مثل قول مالك وجمهور العلماء.
والثالث: أنها لا تباع إلا في الدين، وهو القول الذي روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إليه ثم رجع عنه على ما بيناه. وما روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير أنها تعتق من نصيب الذي في بطنها قول رابع في المسألة.
وأجاز الشافعي استئجار أم الولد في الخدمة واستخدامها خلاف ما ذهب إليه مالك من أنه لا يجوز أن تؤاجر ولا تستخدم إلا فيما خف ولا تعب فيه وإن كانت دنية. وتبتذل الدنية في الحوائج الخفيفة فيما لا تبتذل فيه الرفيعة. والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل حرمة منعت من بيع الرقبة منعت من