عبيدة السلماني أنه قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: رأى أبو بكر رأيا ورأى عمر رأيا عتق أمهات الأولاد حتى مضيا لسبيلهما، ثم رأى عثمان ذلك، ثم رأيت أنا بعدُ بيعَهن في الدين. قال عبيدة: فقلت لعلي: رأيك ورأي عمر وعثمان في الجماعة أحب إلينا من رأيك بانفرادك في الفرقة، فقبل مني وصدقني. وهذا من علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إجماع منه مع سائر الصحابة على المنع من بيعهن في غير الدين، ثم رجع عما انفرد به من جواز بيعهن في الدين إلى ما أجمع عليه الصحابة بقبوله لقول عبيدة وتصديقه له. وإلى جواز بيعهن في الدين وغيره ذهب أبو داود القياسي والرافصة وأهل الظاهر، واحتج من نصر مذهبهم بقول الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وبما روي «عن جابر بن عبد الله أنه قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر بن الخطاب، ثم نهانا عمر عن بيعهن». وهذا كله لا حجة لهم فيه. أما الآية التي احتجوا بظاهرها من القرآن وهي قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فإنه عموم تخصص بما ذكرناه من الأدلة. وأما حديث جابر فإنه ضعيف عند أهل النقل. وقد روي عنه من طريقه ما عارضه وهو أنه قال: «كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم زجرنا عن بيعهن». ذكره أبو الفرج في الحاوي وزجره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بيعهن فسخ لما كانوا عليه من استجازة ذلك وفعله. وقد يكون أيضا في عهد الإمام من الأفعال ما لا يعلمها فلا حجة فيه على حال.
فهذا هو المانع من بيع أمهات الأولاد من جهة الأثر. وأما المانع من طريق النظر فهو أنه لما حملت بولده وحصلت له الحرية من قبل أبيه اتصل بها وخالطها حتى صار كعضو منها فسرت الحرية في جميعها وصارت في معنى المعتقة منه، وهذا من أصح الاعتلال وأقواه، لأنه مروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قال: خالطت دماؤنا دماءهن ولحومنا لحومهن. ويتحرى من هذا قياس بأن