الفرع أوجب من الأصل. وليس يكاد شيء من كلام العرب يعطف بعضه على بعض يكون أوله غير واجب وآخره واجبا، هذا لا يكاد يعرف. وإنما المعروف من كلامهم أن يكون أوله واجبا وآخره غير واجب. قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] فبدأ بالعدل وهو واجب، ثم ذكر الإحسان بعده وهو غير واجب. وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] فيبدأ بالواجب ثم ذكر التفضل بعده.

فصل

ومما يدل على فساد قول الشافعي أن الشيء المعلوم إذا أسقط منه شيء مجهول عاد مجهولا غير معلوم، فكيف يصح أن يُكتَب على العبد أربعة آلاف درهم في التمثيل ويُشهد بها عليه وهي أقل من أربعة آلاف قد حلموا على ذلك وحكم الكتاب أن يكون عدلا بين المتعاملين وإن كان الذي كتب السيد على عبده وأشهد به عليه حقا فليس يجب أن يسقط عن العبد شيء منه، وإن كان باطلاً فالكتابة منفسخة، وما أشهدا به على أنفسهما كذب. وأيضا فإن الشافعي يزعم أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم فإن كان يعني من جميع ما كاتبه عليه فقد ترك قوله، وإن كان يعني مما تبقى عليه من الكتابة بعد وضع ما يجب وضعه، فالواجب أن يكون ما يوضع عنه معلوما في أصل الكتابة حتى يعلم الحال التي يعتق فيها من الحال التي لا يعتق فيها، لأنها حال معلومة تتعلق بها أحكام كثيرة، فلا بد أن تكون معلومة كما كانت الكتابة معلومة، والشافعي يجعلها مجهولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015