{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. وقال إبراهيم النخعي: كان الخمس أحب إليهم من الربع، والربع أحب إليهم من الثلث. وقد استحب جماعة من العلماء الثلث في الوصية لقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم». وهذا إنما ينبغي أن يفعل فيه بالاجتهاد في قلة المال وكثرته. فإذا كان قليلا فإبقاؤه على الورثة أفضل والله أعلم، لأن الله تعالى أعطاه ثلث ماله عند وفاته يجعله حيث يراه من وجوه البر، فإذا أبقاه على الوارث نظرا له لقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»، فهو أفضل له من صدقته على الأجنبيين والله أعلم.
إنما أوجب الوصية من أوجبها لقول الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] الآية (21) وقد اختلف أهل العلم في تأويلها اختلافا كثيرا، فالمشهور أنها منسوخة، واختلف الذين رأوا أنها منسوخة في الناسخ لها ما هو. فقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موطئه نسخها ما نزل من قسمة الفرائض. وهذا قول من لم ير نسخ القران بالسنة، وهو أولى ما قيل فيها، لأنه لا اختلاف أن آية المواريث نزلت بعد آية الوصية. وقد روي أن الناس في أول الإسلام كانوا يتوارثون الله تعالى لما ذكر فرض الوالدين قال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فكان يحتمل أن يكون لهما ولا يمكن أن يعلم ذلك إلا بتوقيف من النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، أو دليل من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذلك. وقد دل على ذلك من قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله فرض لكل ذي حق حقه في آية المواريث» فبين بذلك أنها ناسخة لآية الوصية. وأما نسخها بقول رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وصية