حنيفة في قوله إنه يجوز له أن يوصي بجميع ماله إن لم يكن له وارث. فإذا أوصى الرجل بأكثر من ثلث ماله لم يجز إلا أن يجيز ذلك الورثة، وإجازتهم لا يخلو من أن تكون في صحته أو في مرضه الذي مات منه. أو بعد موته.
فأما إذا كان إذنهم له في صحته فلا يلزمهم ذلك باتفاق.
وأما إن أذنوا له في مرضه الذي مات منه فيلزمهم عند مالك إن كانوا مالكين لأمرهم بائنين عنه بأنفسهم، خلافا لأبي حنيفة والشافعي ولما يدل عليه بعض أقاويل مالك. قيل إذا استأذنهم بدليل ما في المدونة.
وأما إذا لم يستأذنهم فيلزمهم وإن لم يكونوا بائنين عنه إذا كانوا مالكين لأمر أنفسهم. وقيل سواء استأذنهم أو لم يستأذنهم لأنهم يقولون بادرنا إلى الإجازة لتطيب نفسه، لأنا خشينا إن لم نبادر بها أن يحقد بذلك علينا فيمنعنا رفده.
وأما إن أجازوا بعد موته فذلك لازم لهم باتفاق. واختلف هل يكون ذلك كالهبة التي تفتقر إلى حيازة أم لا على قولين في المذهب.
وإنما قلنا إن الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد بن أبي وقاص: «الثلث، والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». وقد استحب جماعة من العلماء أن لا يوصي الرجل إلا بأقل من الثلث لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والثلث كثير». وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لو غض الناس من الثلث إلى الربع لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «والثلث كثير» وأوصى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بربع ماله، وأبو بكر الصديق بخمس ماله وقال: رضيت لنفسي في وصيتي بما رضي الله لنفسه من الغنيمة، وتلا: