فصل

وذهب من خالفنا في جواز المساقاة إلى أن فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع يهود خيبر منسوخ بنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة، وقالوا هو مشتق من خيبر - ومعناه النهي عن العمل الذي فعل بخيبر، وذلك ليس بصحيح، لأن عقود المعاوضات لا يشتق لها الأسماء من أماكنها بخلاف قولهم أتهم وأنجد لأنا قد عرفنا من لغة العرب اسم الفاعل من نزوله بالمكان، وعقود المعاوضات بخلاف ذلك؛ ولأن العرب كانت تعرف المخابرة قبل الإسلام، وهو عندهم اسم لكراء الأرض ببعض ما يخرج منها، ولأن الصحابة قد عملوا بالمساقاة بعده، فبطل ما ادعوه بكل وجه.

فصل

وعللوا أيضا حديث المساقاة بأن قالوا إن أهل خيبر كانوا عبيدا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والمسلمين، لأن الله تعالى أفاء عليهم خيبر وأهلها، فلذلك جازت المساقاة بينه وبينهم على جزء من الثمرة، وصح أن تخرص الثمرة عليهم فيخيرهم الخارص بين أن يلتزموا نصيب المسلمين بما خرصه به، أو يلتزم هو نصيبهم على ما ورد في الحديث، وهذا ما لا يصح؛ ولنا عنه أجوبة، منها أن عبد الله بن رواحة كان يخرص عليهم، فقالوا له أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين، وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم؛ وعلى قولهم: إن السيد لا يصح ضمانه من عبده، لأن العبد لا يملك عندهم، فماله لسيده، وبيع الثمر في رؤوس النخل بخرصها إلى الجداد، من المزابنة التي لا تجوز إلا فيما خصصته السنة من بيع العرايا في خمسة أوسق، أو فيما دون خمسة أوسق. وقوله في هذا الحديث إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين، وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم، هو والله أعلم مما نسخ بنسخ الربا، لأنه متأخر - وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان من آخر ما أنزل الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آية الربا، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يفسرها، فدعوا الربا والريبة. وقد قيل إن ابن رواحة إنما كان يخرص ليعرف قدر الزكاة التي كانت تلزم المسلمين، كما يخرص

طور بواسطة نورين ميديا © 2015