فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصصا لما نهى عنه من بيع الغرر ومن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ومن الاستئجار بأجر مجهول، لأن ذلك عموم ومساقاته ليهود خيبر في النخل خصوص، والخاص يحمل على التفسير العام، والتخصيص له والبيان للمراد به.
فالمساقاة جائزة عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، وعند الشافعي؛ وخالف في جوازها أبو حنيفة؛ والدليل على صحة قول من قال بجوازها، «أن رسول الله ساقى يهود خيبر على أن لهم نصف الثمرة بعملهم، وكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرصها عليهم» ثم أقرهم أبو بكر على ذلك ثم عمر بن الخطاب إلى أن بعث ابنه عبد الله ليخرص عليهم، فسحروه فتكوعت يده؛ ثم إنه أجلاهم عنها إلى الشام. ثم عمل عثمان بعده على المساقاة والخلفاء بعده؛ وفي إقرار أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يهود خيبر على مساقاتهم التي ساقاهم عليها النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعمل الخلفاء بعدهما بها، بيان واضح على أن المساقاة حكم من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، محكم غير مفسوخ؛ هذا من طريق الأثر، ومن طريق النظر أيضا: أن الأصول مال لا ينمو بنفسه ولا تجوز إجارته وإنما ينمى بالعمل عليه، فجاز العمل عليه ببعض ما يخرج منه كالقراض، بل المساقاة أولى بالجواز من القراض، لأن الغرر والخطار في القراض أكثر، لأنه قد يكون في المال ربح، وقد لا يكون فيه ربح، وجواز أحد الأمرين كجواز الآخر، ليس أحدهما أغلب من صاحبه، والنخل قد أجرى الله العادة بأن تحمل كل سنة، فلا بد أن يكون للنخل ثمرة في الغالب من الأحوال؛ وهذا بين وإنما قلنا في قياسنا هذا ولا تجوز إجارته تحرزا من أن يلزمنا عليه كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها.