اليد ما أخذت حتى تؤديه». فاختلف أهل العلم في ضمان العارية لتعارض ظواهر هذه الآثار، فمنهم من قال: إنه ضامن للعارية قامت البينة على التلف أو لم تقم، كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه - على ظاهر قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بل عارية مضمونة مؤداة». وهذا قول أشهب وأحد قولي مالك ومذهب الشافعي. ومنهم من قال إنه لا ضمان عليه بحال على ظاهر قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على المستعير ضمان»، وهو قول أبي حنيفة. ومنهم من قال لا ضمان عليه إلا أن يشترط عليه الضمان، حكى هذا القول ابن شعبان وعابه؛ ومنهم من قال يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يقم على التلف بينة. ولا يضمن فيما لا يغاب عليه ولا فيما قامت البينة على تلفه من غير ضيعة، وهذا هو المشهور من قول مالك وهو مذهب ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك، وأصح الأقوال وأولاها بالصواب لاستعمال جميع الآثار وصحته في النظر والاعتبار.

فصل

فأما وجه استعمال جميع الآثار، فهو أن يتأول ما روي عنه من وجوب الضمان في العارية فيما يغاب عليه، إذا لم يعلم هلاكه، وما روي عنه من سقوط الضمان فيما لا يغاب عليه وفيما يغاب عليه إذا علم هلاكه، على أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بل عارية مضمونة مؤداة»، من الألفاظ التي لا تستقل بأنفسها، فلا يصح بها الاحتجاج على وجوب الضمان؛ لأن ما لا يستقل بنفسه، فوجهه أن يقصر على سببه، ولا يحمل على عمومه، لا اختلاف بين أهل العلم بالأصول في ذلك، وإنما اختلفوا في اللفظ العام المستقل بنفسه إذا ورد على سبب، هل يقصر على سببه، أو يحمل على عمومه على قولين، الأصح منهما عند أهل النظر حمله على عمومه؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015