قد ذهبت بتفريط أو بغير تفريط، فما هي عنده، وقال ابن عبد الحكم له أن يأخذ - وإن كان عليه دين، وهو قول الشافعي، وهذا الاختلاف جار على اختلاف قول مالك في المدونة في إجازة رهن المديان وقضائه بعض غرمائه، وقال ابن الماجشون أرى له استعمال الحيلة بكل ما يقدر عليه حتى يأخذ حقه؛ ففي المسألة أربعة أقوال:
أحدها: المنع من الأخذ.
والثاني: الكراهية لذلك.
والثالث: الإباحة له.
والرابع: استحباب الأخذ - وهو قول ابن الماجشون كان عليه دين أو لم يكن؛ وقيل إنما هذا إذا لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لم يكن له أن يأخذ إلا قدر ما يجب له في المحاصة، وهو قول خامس في المسألة؛ وأظهر الأقاويل إباحة الأخذ، «لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح ذلك لهند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس لما شكت إليه أن زوجها أبا سفيان بن حرب لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف؛» فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمعروف معناه: أن تأخذ مقدار ما يجب لها ولا تتعدى فتأخذ أكثر مما يجب لها؛ وكذلك يتأول قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا تخن من خانك». أي لا تتعدى فتأخذ أكثر من الواجب لك فتكون قد خنته - أخرى، كما خانك هو أولا؛ لأن من أخذ حقه الواجب له، فليس بخائن بل فعل المعروف الذي أباحه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند بنت عتبة، فعلى هذا يخرج الحديثان جميعا ولا يحملان على التعارض، وقد كان الفقيه ابن رزق شيخنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يحدثنا أن هذا الحديث خرج على سؤال سئل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن وطء امرأة ائتمنه عليها رجل قد كان هو ائتمن ذلك الرجل على امرأته فخانه فيها ووطئها، وكان يضعف الاحتجاج لقول مالك في هذه المسألة بعموم هذا الحديث، لهذا المعنى الذي كان يذكره؛ وهذا الحديث وإن كان واردا على سبب على ما كان يذكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه عام مستقل بنفسه، وقد اختلف قول مالك