فصل

وحكم هذه المسائل الخمس في لفظ العقب على ما ذكرناه في لفظ الولد سواء، إذ لا فرق عند أحد من العلماء بين لفظ العقب والولد في المعنى، وإنما اختلف الشيوخ في الذرية والنسل: فقيل إنهما بمنزلة الولد والعقب لا يدخل ولد البنات فيهما على مذهب مالك، وقيل إنهم يدخلون فيهما؛ وفرق ابن العطار - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين الذرية والنسل: فقال إن النسل بمنزلة الولد والعقب لا يدخل فيه ولد البنات - إلا أن يقول المحبس نسلي ونسل نسلي على ما ذهب إليه في لفظ التعقيب؛ وقد بينا أن ذلك لا يصح على مذهب مالك، وأن الذرية يدخل فيها ولد البنات؛ واحتج لذلك بقول الله عز وجل - وقوله الحق: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]- إلى قَوْله تَعَالَى: وَعِيسَى، فجعله من ذرية إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو من أولاد البنات، إذ لا أب له، وهو احتجاج صحيح في أن ولد بنت الرجل من ذريته، وكذلك يقول أيضا إنه من نسله، وأنه من عقبه، كما أنه من ولده؛ خلاف ما ذهب إليه ابن العطار في ذلك، وقد بينا وجه إخراج مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولد البنات من الحبس المعقب مع كونهم من الأبناء والأعقاب، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن ولد بنت الرجل ليس من ذريته، وضعف الاحتجاج بهذه الآية على أن ولد الابنة من الذرية - بأن قال إن عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما لم يكن له أب، قامت له الأم مقام الأب والأم، فكان من ذرية جده للأم إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ بخلاف غيره ممن له أب وهذا غير صحيح، لأن عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان من ذرية جده للأم من جهة أمه خاصة إذ لم يكن له أب، فغيره من الناس هو من ذرية جده للأم من جهة أمه، ومن ذرية أبيه وجده لأبيه من جهة أبيه؛ إذ له أب، لأن كون عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مخلوقا في بطن أمه من غير مباشرة ذكر، لا يزيدها مزية في الاختصاص به على من خلق الله ولدها في بطنها بمباشرة ذكر - على ما أجرى به العادة، ولا ينتفي أن يكون من ذرية جده لأم من جهة حمل أمه إياه ووضعه بكونه من ذرية أبيه وجده لأبيه إذا كان له أب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015