يخصص الإناث من ذلك ويخرجن من الحبس - والمحبس قد أدخلهن فيه بما ظهر من لفظه إلا بدليل يدل على ذلك؛ ورجوع ابن زرب على القول بهذا إلى ما حكيت عنه من أجل الرواية التي حكاها غلط بين، لأن الرواية إنما هي فيمن حبس على ولده وولد ولده - وهي مسألة أخرى غير المسألة التي رجع عن جوابه فيها لأن الرواية وجهها ما بيناه من أجل الناس يعتقدون أن الولد لا يقع إلا على الذكران دون الإناث بل لا يعرف أن اللفظ يتناول الذكران والإناث إلا الخاص من العلماء، ولا يمكن أن يقال إن أحدا من الناس يجهل أن لفظ ضمير الجمع يرجع إلى جميع المذكورين، بل يعتقد كثير من الناس أنه لا يصح أن يرجع إلى بعضهم، وقد ذهب إليه كثير من العلماء فقالوا في عموم آي القرآن المخصصة بغيرها - إنها منسوخة بها، ولم يقولوا إنها مبينة لها؛ ومعنى آخر وهو أنه يحتمل أن يكون رأي مالك أن لفظ ولد الولد بإطلاقه لا يقع من ولده إلا على من يرجع نسبه إليه منهم، لأنهم المختصون به، ومن لا يرجع نسبه منهم إليه فليس بمختص به وإنما يختص بمن يرجع نسبه إليه، ولا يمكن أن يقول أحد أن لفظ ضمير الجمع - بإطلاقه راجع إلى بعض المذكورين، وإنما يرد إلى بعضهم إذا قام الدليل على أنه لا يجوز رده إلى جميعهم، مثل قول الله عز وجل: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} [الأنعام: 130]، لأنا علمنا أن مراده بقوله رسل منكم الإنس دون الجن، إذ لم يبعث - تعالى - من الجن رسولا وهذا بين.
ولو كرر التعقيب، لدخل ولد البنات إلى الدرجة التي انتهى إليها المحبس على ما ذهب إليه الشيوخ، خلاف مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكرناه.