فإن قال قائل كيف حكمت بصحة هذا القياس الذي دللت به على صحة قول مالك وهو لا يقول بموجبه، لأنه يدخل بنات المحبس في الحبس بهذا اللفظ، وما قلت من حملك إياه على ما يغلب على الظن من أن المحبس لا يعلم أن البنت تسمى ولدا، يوجب ألا يدخلن فيه.
فالجواب عن ذلك أن البنات قد كره إخراجهن من الحبس، لأنه من أفعال الجاهلية؛ قال الله عز وجل: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139]، ولما فيه أيضا مما نهي عنه من تفضيل بعض الولد على بعض في العطية، ومن مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهن يدخلن فيه - وإن نص المحبس على إخراجهن منه - ما لم يفت الأمر، فكيف إذا أتى بهذا اللفظ الذي يوجب دخولهن فيه بظاهره في اللسان العربي، وولد البنات، لم يكره إخراجهن من الحبس، فوجب ألا يدخلوا فيه بهذا اللفظ الذي يقتضي دخولهم فيه، لوقوعه على الذكر والأنثى في اللسان العربي - إذا غلب على الظن أن المحبس لم يرد إيقاعه إلا على الذكران خاصة بما يعلم من مقاصد الناس بألفاظهم وعرف كلامهم، فلا يخرج البنات من الحبس إلا بالنص على إخراجهن منه، ولا يدخل ولد البنات فيه إلا بالنص على دخولهم فيه، أو اللفظ العام إذا لم يقترن به ما يدل على تخصيص ولد البنات منه.
فصل
ولو حبس على ولد رجل أجنبي، لوجب على قياس هذا ألا يدخل فيه بناته، وعلى هذا المعنى والقياس، تأتي رواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الوصايا فيمن أوصى لولد فلان، أن الوصية تكون لذكور ولده ولا يدخل فيها إناثهم،