في أعقابهم إلى جميعهم؛ إذ لا يصح رده إلى الذكران منهم دون الإناث بغير دليل؛ فليس وجه الرواية إلا ما ذكرناه من أنه حمل لفظ أولاده على الذكران دون الإناث بما علم من قصد الناس في أن لفظ الأولاد لا يوقعونه إلا على الذكران دون الإناث، فرد الضمير إليهم لا وجه للرواية عندي غير هذا - والله أعلم.

فصل

فإن قال قائل قول العالم ليس بحجة ومن أهل العلم من يوجب على الحالف ألا يأكل اللحم أو البيض - الحنث بأكل لحم الحيتان أو بيضها، لوقوع اسم اللحم والبيض على ذلك، فلا يصح أن يجعل قول من قال في مسألة اليمين أنه لا يحنث أصلا، يقيس الفرع عليه إلا بعد ثبوت صحته؛ دليلنا على صحته بالإجماع على أن الألفاظ إنما تحمل على ما يعلم من قصد المتكلم بها، لا على ظواهرها، قال الله - عز وجل: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15]، فهذا لفظ ظاهره الإباحة والتخيير، وهو محمول على النهي والوعيد المفهوم من معناه دون الإباحة الظاهرة من مجرد لفظه؛ وقال في قصة شعيب: {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87]، فظاهر مجرد اللفظ المدح والثناء، ومعناه المفهوم منه عند الجميع ما قصدوا به من الذم والإزدراء، لكراهية ما أمرهم به؛ ومن مثل هذا كثير في القرآن والسنن والآثار يفوت إحصاؤه، ولا يمكن حصره واستقصاؤه.

فصل

فإذا وجب أن يحمل اللفظ بما يعلم من قصد المتكلم به على خلافه في اللفظ والمعنى، فأحرى أن يجب حمل اللفظ العام المحتمل للتخصيص بما يعلم من قصد المتكلم به على بعض محتملاته بغلبة الظن فيما طريقه غلبة الظن دون العلم والقطع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015