نزلت آية المائدة أتت على ما بقي من الإباحة الّتي لم تتناولها الآيتان السّابقتان، فهي آيات مصدّقة لبعضها، وليس بينها تناسخ، إذ من شرط صحّة النّسخ- كما سيأتي- ثبوت التّعارض بين النّاسخ والمنسوخ، وهذا معدوم هاهنا فيما بين هذه الآيات، ثمّ إنّ ما دلّت عليه من الحكم لم يسبق إلّا بالإباحة الثّابتة بسكوت الشّارع، لا بنصّه.
ولو صحّ إطلاق النّسخ على نقل حكم الإباحة الأصليّة إلى حكم آخر بدليل الشّرع، لساغ أن نقول في كلّ آية تحريم: هي ناسخة لما كان عليه الحال قبل نزولها، وهذا مخالف لما دلّ عليه القرآن من معنى النّسخ، كما ستعلمه من المباحث التّالية (?).
إذا فهذه الوجوه الخمسة الّتي وقع إطلاق (النّسخ) عليها في كلام السّلف، ليست في التّحقيق من باب النّسخ الّذي استقرّ معناه عند أهل العلم من بعد، وجميعها ممّا يجب التّنبّه له؛ وذلك خشية إبطال العمل بنصّ من نصوص القرآن بالظنّ والوهم، فإنّ أكثر ما ادّعي فيه النّسخ يرجع إلى هذه الوجوه.
فإن قلت: فلم سمّوا ذلك نسخا؟
قلت: يجيب عن ذلك العلّامة الشّاطبيّ بقوله: «لأنّ جميع ذلك
مشترك في معنى واحد، وهو أنّ النّسخ في الاصطلاح المتأخّر اقتضى أنّ الأمر