السَّبي وَالنعَم واللجين
فَلَمَّا اسْتَقر بهَا قدمت عَلَيْهِ من هوَازن فرقة وَذكروا لَهُ مَا أَصَابَهُم من جهد الْبلَاء وألم الْفرْقَة وسألوه أَن يمن عَلَيْهِم وَأَن يتَجَاوَز عَنْهُم وَيحسن إِلَيْهِم فَأجَاب سُؤَالهمْ وحقق رجاءهم وَأطلق لَهُم بعد أَن خَيرهمْ أَبْنَاءَهُم ونساءهم وَلحق بِهِ قائدهم مَالك بن عَوْف متمسكا بِحَبل بره المبرم فَأكْرمه وَاسْتَعْملهُ على قومه بعد أَن أسلم
ثمَّ قسم الْأَمْوَال بَين الْمُجَاهدين وغمر بإنعامه الصادرين والواردين وَأعْطى كل وَاحِد من أَشْرَاف الْقَوْم مائَة بعير وَخص جِهَة الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم بِالْفَضْلِ الْكَبِير لكنه لم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا من الْغَنِيمَة فوجدوا فِي نُفُوسهم وجد ذَوي الْعُقُول السليمة فَدَعَاهُمْ سالكا فِي التلطف بهم مَسْلَك الإعتذار وضاعف رفعتهم بقوله (لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار)
وَكَانَ السَّبي ثَلَاثَة آلَاف نسمَة وضعفها وَكَانَت الْإِبِل وَالْغنم أَرْبَعِينَ ألفا وَنِصْفهَا إِلَى غير ذَلِك من الْفضة وَالْمَتَاع والأسلحة الَّتِي لَا يُبَاع مثلهَا وَلَا يصاع
وَلما فرغ من ذَلِك خرج فِي ذِي الْقعدَة إِلَى الْعمرَة واستخلف عتاب بن أسيد على مَكَّة متكلما فِي الإمرة وَترك مَعَه معَاذ بن جبل يفقه النَّاس فِي الدّين ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة بِأَصْحَابِهِ سَالِمين غَانِمِينَ
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول بجير بن زُهَيْر بن أبي سلمى من أَبْيَات
(وَلَقَد تعرضنا لكيما يخرجُوا ... فَتَحَصَّنُوا منا بِبَاب مغلق)