من الزمان إلى أن لقيت مصيرها المحتوم مثل أخواتها من الحواضر الأخرى فى عام 897 هـ.
وإذا كان ملوك شمالى أفريقية قد حاولوا أن يؤخروا هذا الارتداد فترة من الوقت فى عهد المرابطين والموحّدين إلا أن صراعاتهم وخلافاتهم وتطاحنهم ما كان يؤدى إلى غير النتيجة التى وصل إليها حال الأندلس حين أخذت البيوتات الكبيرة تخرج منها أول الأمر متجهة إلى شمالى أفريقية الممتد من المغرب حاليا إلى مصر، ثم تبعها معظم سكان تلك الجزيرة الخضراء كما كان يسميها أهلها. لذلك لا نعجب أن يقف الشاعر الأندلسى «ابن العسال» مناديا قومه بالإسراع فى الرحيل، فيقول:
يا أهل أندلس حثّوا مطيكم ... فما المقام بها إلا من الغلط.
الثوب ينسلّ من أطرافه وأرى ... ثوب الجزيرة منسولا من الوسط.
ونحن بين عدوّ لا يفارقنا ... كيف الحياة مع الحيّات فى سفط.
ولست هنا فى مجال تعليل لما حدث فى المشرق أو المغرب، فهذا مجال بحث لمؤرخ مهتم بتاريخ هذه الفترة، غير أن ما يهمنى هو أن ابن سعيد عاصر بداية سقوط. المدن الأندلسية وأسهم فى بعض أحداثها قبل أن يغادر الأندلس مع والده فى عام 639 هـ راحلا إلى المغرب فتونس فمصر فالشام فالعراق والحجاز، كما توغل فى أقصى الشرق فى رأى من الآراء، كما عاصر حوادث سقوط. بغداد عام 656 هـ على يد التتار، وشاهد وسمع كثيرا من أهوال هذه الحوادث الجسام فى تاريخ القرن السابع الهجرى وتاريخ المسلمين فيه.
وكان من حسن حظ. ابن سعيد- فى الوقت نفسه- أنه وفى وسط غمرة هذه الأحداث المحزنة قد عاصر حدثا كان له أكبر الأثر فى تخفيف تلك الصدمات المتتابعة عليه وعلى المسلمين جمعيا، وهو إعادة فتح بيت المقدس نهائيا عام 642 هـ على يد الملك الصالح أيوب، كذلك عاصر هزيمة الصلبيين فى حملتهم بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا عام 648 هـ بسيوف المصريين حين أراد هذا الملك