فاشتد عجب من سمع به من سعة كرمه وشدة حيائه.
وقرأت فيه: كان مكان الأمير عبد الرحمن من صلة الرحم والحنو على القرابة على حال لم يساوه فيها أحد من أهل بيته، وكان قد اختص فوقهم جميعاً أخاه أبا عثمان سعيد الخير بن الأمير الحكم، فحباه بصداقته من بين سائر إخوته من وقت نشأتهما أيام أبيهما، فلما أن صار الأمر إليه تضاعف اختصاصه لسعيد، وأنسه به، ومباطنته إياه، وإلطافه له، فصار ينادمه ويخلو به ويتصرف معه في مغازيه وصيوده، ولا يصبر عنه، حتى اعتلت حال سعيد في أهل بيته، وحسدوه على ما أتيح له من الزلفى إلى الأمير عبد الرحمن وكان سعيد في ذاته سيداً جواداً.
تذكرة للشامتين، وعظة للمتفكرين، وذاك أن قعد فيه في بعض خلواته للأنس مع جواريه والالتذاذ بأغانيه، على استعداد كان منه ليومه ذلك واحتفال في تهيئته.
فبينما هو منغمس في نعمته، لاه بحبرته، إذ انهارت تلك الستارة السامية التي كان علاها على مجلسه الذي كان قاعداً فيه من داء استبطنها لم يشعر به لما أراده الله من عرض قدرته عله، فخر المجلس على من كان فيه من نسائه وخدمه، وسحقهم سحقاً، وقضى الله بنجاته من بينهم بأدق سبب، من قبل جائزة صلبة من جيزان المجلس تعرضت فوقه، فأمسكت عنه أذى الهدم، ونجا تحتها هو وجارية له حظية كان قد أجلسها إلى جنبه كانت تسمى منتهى المنى أم ولده مروان، نجت بنجائه، وهلك جميع جواريه أشنع هلاك، وكن أربع عشرة جارية.
فارتجت المدينة من شناعة قصته، واتصل خبره بأخيه الأمير عبد الرحمن، فسر بخلوصه سروراً هون عنده جميع ما أصابه، وهنأه به أصحابه، واستدعى سعيداً إلى نفسه