وثالث أثافي السلوان، ما له من متعة نعيم تملك القلوب، وتصور إليها الآذان، لو أن حياً يسلم من الحدثان.
جرت لهذا الأمير المترف معهم في مجالسه ومشاربه نوادر أخبار، تونس زهر الروض غب القطار، وهي مبثوثة في الناس، على أن رسوم الباطل إلى بلي وأندراس.
قرأت في كتاب معاوية بن هشام الشبينسي قال: من أبدع مكارم الأمير عبد الرحمن بن الحكم الدالة على سروه ورفعة نفسه وفرط استحيائه ورقة وجهه التي لم يكن يعدله فيهن أحد من أهل بيته أن أحضر يوماً مالاً كثيراً أتاه من بعض النواحي جلس لإيعابه في بدره، وقد أمر خدمه الصقالبة بتولي ذلك ونضده بين يديه إلى أن يأمر برفعه إلى بيت المال، فأخذوا في ذلك على عينه.
واعترته سنة غض لها من طرفه، خالها بعض شرهائهم نعاساً، فمد يده إلى بدرة من ذلك المال، أختلسها حين غفلة من أصحابه، فصيرها في حضنه، والأمير ينظر إليه، فلما أكملوا نضد البدر أمرهم بإعادة عدها، فأصابوها تنقص تلك البدرة المختلسة، فتراموا بسرقها، واشتد بينهم التنازع فيها، فلما أكثروا قال لهم الأمير: حسبتم! كفوا عن ذكرها، فقد أخذها من لا يردها، ورآه من لا يفضحه. فإياه وإياكم من العود لمثلها، فإن كبير الذنب يهجم عن استنفاد العفو! ارفعوا المال وأقلوا المقال.