وفي هذه السنة هلك أبو الفتح نصر الخصي، خليفة الأمير عبد الرحمن بن الحكم، المقدم على جميع خاصته، المدبر لأمر داره، المشارك لأكابر وزرائه في تصريف ملكه، وكان هلكه شبيه الفجأة في عقب شعبان من هذه السنة، أرقى ما كان في غلوائه، وأطمع ما هو بالاحتواء على أمر سلطانه، أرهب ما كان الناس له، وأخوفهم لعدوانه، إذ نال من أثرة مولاه الأمير عب الرحمن واصطفائه وإشراكه له في الرأي مع جلة وزرائه، وطوعه كثيراً إلى ما يخالفهم فيه، فوق ما ناله خادم خاص مع أمير رشيد سمع عنه، وله بذلك أخبار في الناس تصدق دلائل تحققه، سما بها - زعموا - في باطنه إلى غاية كرهها الله، إخترمه دونها حمامه، فقضى ذميماً مستراحاً منه.
وكثر القول في السبب الذي أراده، والخوض فيما أتاه، فكان من أوضح ذلك ما ذكره أبو بكر بن القوطية، قال: كان نصر الخصي الجريء المقدم الوساع الفهم قد غلب على قلب مولاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم واستظهر على حراصة مكانه لديه بانقطاعه إلى حظيته طروب أم عبد الله، الغالبة عليه من بين جميع نسائه، وحطه في شعبها، وممالأته إياها على ما تسعى له من تقديم ولدها عبد الله للأمر بعد الأمير أبيه على جميع الأراجح الأكبرين من ولده متى حان حينه، فخالص السيدة تشديداً، وأخلصت له، واستوى له بذلك أمره، وأصبح ملك عبد الرحمن في يده، يدبره كيف يشاء، فلا يرد أمره، قد أجهد سعيه آخر أمده في جهره وسره، بالتنويه بعبد الله بن سته طروب، والإشادة بذكره،