قال ابن مفرج: وكان قد اجتمع للأمير عبد الرحمن من سراة الوزراء أولى الحلوم والنهي والمعرفة والذكاء عصابة لم يجتمع مثلها عند أحد من الخلفاء قبلهم ولا بعدهم. وسماهم حسبما تقدم، فزاد فيهم ابن مفرج عبد العزيز بن هاشم الملقب سعاد من غير تسمية ابن شهيد.
قال أبو بكر: لم يختلف أحد من شيوخ الأندلس في أنه ما خدم ملوك بني أمية فيها أحد أكرم من عيسى بن شهيد غاية، ولا أكرم اصطناعاً، ولا أرعى لذمة. ولقد كان الحاجب قبله عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث بهذه الصفة، على زيادة خصاله وأدواته على عيسى إلا في باب كرم الصنيعة واستتمامها، فلم يك يفضله درجة، بل كان عبد الكريم يقصر عن عيسى في باب قبول الهدية وتجويز المكافأة على قضاء الحاجة، فإنه كان يقبل ذلك ولا يأباه، وكان عيسى على الضد منه في هذا الباب: لا يقبل شيئاً منه ألبتة، وكان يهجر من عرضه إليه، ولا يرضى فيمن يتقلده من صنائعه ويشمله بنعمته إلا بغاية التشريف والإنهاض، والتخويل والإمداد.
فمن مشهور ذلك فعله في عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني، فإنه قدم إلى الأندلس وهو فتى متأدب ظريف، كان يشدو شيئاً من الغناء على مذاهب الفتيان، فاعتلق بحبل ابن شهيد وهو صاحب الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فبلا منه فضلاً وحجى.
فقال له: أمسك عن الغناء البتة، فإنه يريبك لدينا، وتحقق بأدبك، وتنبه لحظك، فلك خصال تجذب بضبعك! ففعل عبد الواحد ذلك، ولزم عيسى، فألقى دكره إلى الأمير عبد الرحمن، وأوصله إليه، فأصابه على ما وصفه له عيسى، فقبلته نفسه، وحركه عنده حظه، فأدنى