عيسى بن شهيد
قال: كان عيسى هذا منقطعاً إلى الأمير عبد الرحمن بعهد والده الأمير الحكم مؤملاً له، فلما أفضى الأمر إليه أزلفه به، وقدمه في عليه خاصته، وصرفه في علي مراتبها، فولاه خطة الخيل، ثم استوزره، وولاه النظر في المظالم وتنفيذ الأحكام على طبقات أهل المملكة، ثم استحجبه مكان سفيان بن عبد ربه، واستخصه دون أصحابه، وكان أهلاً لإيثاره، إذ كان من أعيان رجال الموالي في الدولة، وهم متوافرون، ومن أشهرهم بالحلم والوقار والحصافة والعلم والمعرفة والحزم والجزالة. وقد قاد بالصوائف، فأحمدت سياسته، وكانت له في التدبير آراء صائبة، وفي الحروب مقام كريمة، وتهيأت له على العدو وقائع مثخنة.
وكان نصر الخصي خليفة الأمير عبد الرحمن الغالب عليه من بين سائر أكابر خدمه المظاهر لحظتيه طروب الغالبة عليه من بين نسائه قد اشتمل على قصر الأمير عبد الرحمن ومن فيه، وشرك في تدبير سلطانه وهو شاحن لحاجبه عيسى عامل في إقصائه، فتسنى له ذلك عندما اعتل الأمير علته الطويلة التي حجبه فيها نصر، وأنفذ عليه أموراً منكرة، منها صرفه لعيسى. هذا عن الحجابة، وذلك بأن أخرج الأمر عن مولاه بصرف عيسى عن الحجابة وإقراره على خطة الوزارة، وتقليد عبد الرحمن بن رستم الحجابة مكانه.
فجرى الأمر بذلك إلى أن استقل الأمير عبد الرحمن من علته، وقعد لأهل خططه، فدخلوا عليه يقدمهم الوزراء، وعيسى في عرضهم، فتقدم عبد الرحمن بن رستم جماعتهم في التسليم على الأمير، ثم قعد فوق ابن شهيد، فاستنكر الأمير ذلك، فلما استقر بهم