الفصل الثالث
أعلم وفقني الله وإياك أن من المهمات الوقوف على ما جمعه الحافظ ابن حجر العسقلاني في معرفة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، فأقول:
ابن أبي شيبة في مصنفه، وفي مسنده من رواية حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: دعاني عثمان بوضوء وهو يريد الخروج إلى الصلاة في ليلة باردة، فجئته بماء فغسل وجهه ويديه، فقلت حسبك قد أسبغت الوضوء والليلة شديدة البرد، فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وأصل الحديث في الصحيحين، وليس في شيء منها، وما تأخر، وقد تكلم الحافظ ابن حجر على إسناده بما يفهم صحة الاحتجاج به.
مستخرج ابن أبي عوانة على صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وفي رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا ألله، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبياً، وفي رواية: رسولا، غفر ذنوبه، فقال له رجل: يا سعد ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: لا هكذا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه، وليس عندهم فيه: وما تأخر ولا السؤال المذكور في آخره، ثم أنَّ له علّة، وقد أورده أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده إلى أن قال: غفر له ذنوبه، فقال له رجل: يا سعد ما تقدم وما تأخر؟. فقال: لا، هكذا سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتبين أن ذكر ما تأخر وقع من السائل، وأن سعداً نفى ذلك.
قلت هاهنا تنبيهان، أحدهما: إن كان الراوي عن سعد واحد فقد اضطربت روايته بالنفي والإثبات، وإن تعدد فقد تعارضا، وحذف للزيادة من رواية الجماعة للمذكر ترجح النفي، الثاني: قوله في إحدى الروايتين: نبياً: وفي الأخرى: رسولاً، قال
النووي والحافظ المنذري: طريق التحقيق الإتيان بالوارد في ذلك ونحوه من الأذكار جمع بينهما، فيقول وبمحمد نبياً ورسولاً؛ أي فإن كان الأول وارداً فلا يضر إردافه بالثاني، وإن كان الوارد الثاني فلا يضر تخلل الأول في الإتيان بما ورد، وبهذا يعلم أن من زاد لفظ سيدنا في الصلاة لم يخل بما ورد بل امتثله، وزاد أدباً، فلا يقال على أن امتثال الأمر أولى من سلوك الأدب وعكسه، والله أعلم.
روى أبو داود من رواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: للعباس: يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيرة وكبيرة سره وعلانيته، عشر خصال أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشر مرة ثم تركع فتقولها وأنت