"وقد قال بعض الأعراب: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم"1، ثم يقول: "فإذا أحسست -رحمك الله- من صديق بالحسد، فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصن سرك منه تسلم من شذى2 شره، وعوائق ضره، وإياك والرغبة في مشاورته، فتمكن نفسك من سهام مشاورته، ولا يغرنك خدع ملقه، وبيان ذلقه3، فإن ذلك من حبائل ثقفه"4.
وعلى الرغم مما وقع الجاحظ فيه من هتات مثل: تكرار بعض العناصر وحاجة بعضها الآخر إلى تهذيب، وحسن ترتيب، وجمال تنسيق، فإن للرسالة قيمة كبرى؛ إذ هي من الأدب الهادف الذي يرمي إلى تحقيق غاية خلقية، وندف اجتماعي، وإصلاح ديني. وبهذا أشبهت المقالات التي تتناول الشئون المختلفة للفرد والمجتمع.
وللجاحظ فكاهة عذبة وافية، تستقبلها النفس بالارتياح، ويتقبلها الخاطر بالبهجة والانشراح، تتمثل في رسالته "التربيع والتدوير" وهي رسالة طويلة تجمع بين محاسن التفكير الدقيق، والتعبير الأنيق، سخر فيها من معاصره "أحمد بن عبد الوهاب" قصير القامة ويزعم أنه طويلها، قصير الأصابع ويدعي أنه رشيقها، يظهر الكبر على وجهه ويزعم أنه في سن الشباب، جهول ويزعم أنه عالم، وغير ذلك من الصور الطريقة التي تدعو إلى السخرية والضحك، ولنترك الجاحظ يتحدث بنفسه يقول: "كان أحمد بن عبد الوهاب مفرط القصر، ويدعي أنه مفرط الطول. كان مربعا وتحسبه لسعة جفرنه5 واستفاضة خاصرته مدورا، وكان