ثم اعلم أن البيت إنما ذكروه للتمثيل لا للاستشهاد؛ لأن المعري لا يحتجُّ بشعره كما ذكره أبو علي الفارسيّ في الإيضاح من أشعار حبيب (?) على وجه التمثيل، ومع هذا لا يحتج بشعره (?) فإذا كان حبيب لا يحتج بشعره وهو أعلى طبقة من المعري، فأحرى أن لا يحتج بشعر المعري.
وجه التمثيل: أنَّه ذكر الخبر بعد لولا؛ فإنَّه في مثل هذا الموضع يجوز ذكر الخبر وتركه؛ فإنَّه لو قال: لولا الغمد لسال، على تقدير: لولا الغمد يمسكه، صح الكلام والمعنى، ولكنه اختار ذكر الخبر دفعًا لإبهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز، وقد خطأ بعضهم أَبا العلاء المعري في هذا؛ حيث أثبت الخبر بعد لولا (?) والمُخَطِّيُّ مُخْطِيٌّ لما ذكرنا.
تَمنَّوْا لِيَ المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى ... وَكُل امْرِئٍ والمَؤتُ يَلْتَقِيَانِ
أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه، وقبله:
لَشَتَّانَ مَا أَنْوي وَيَنْوي بَنُو أَبِي ... جَمِيعًا فَمَا هَذَانِ مُسْتَوَيانِ
وهما من الطَّويل.
قوله: "تمنوا": من التمني، قوله: "يشعب" -بفتح العين؛ أي: يفرق، يقال: شعبة- بالتخفيف إذا فرقه، وفي الحديث: "ما هذه الفتيا التي شعبت بها النَّاس".
والمعنى: أن هؤلاء تمنوا لأجلي الموت الذي يفرق الفتى عن إخوانه أو عن أهله، أو عن أولاده، ولا بد لكل امرئ أن يلقى الموت، وفي معناه: ما روي عن الإِمام الشَّافعيّ (?) -