وهما من الرجز (?).
وإنما ذكر الشراحُ البيتَ المذكور تمثيلًا لا استشهادًا به؛ لأن أبَا نواس وأمثاله لا يحتج بهم، وقصد بالبيت المذكور ذم الزمان الذي هذه حاله، فكأنه قال: زمان ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، فزمان: مبتدأ، وما بعده صفة له، و "غير": خبر للزمان، ثم حذف المبتدأ مع صفته وجعل إظهار الهاء مؤذنًا بالمحذوف؛ لأنك إذا جئت بالهاء لما تقدمها ذكر ما ترجع إليه فصار اللفظ بعد الحذف:
غَيرُ مَأْسُوفٍ عَلَى زَمَنٍ ... يَنْقَضِي بالْهَمِّ وَالحَزَنِ
وقال أبو نزار (?): سُئلت في بغداد عن قول الشاعر: غير مأسوف ... إلخ، فلم نعرف وجهة رفع "غير" وأول من أخطأ فيه شيخنا الفصيحي (?) فعرفته بذلك.
والذي ثبت الرأي عليه أن المعنى: لا يؤسف على زمان، فغيرُ مرفوع بالابتداء وقد تم الكلام بمعنى الفعل، فَسَدَّ تمام الكلام وحصول الفائدة مسد الخبر، ولا خبر في اللفظ؛ كما قالوا: أقائم أخوك؟ والمعنى: أيقوم أخوك؟ ولا خبر في اللفظ.
وقال الشيخ أثير الدين في كتابه: "التذكرة": ولم أر لهذا البيت نظيرًا في الإعراب إلا بيتًا في قصيدة للمتنبي (?) يمدح بها بدر بن عمار الطبرستاني يقول فيها (?):
ليس بِالمُنكَرِ أنْ بَرَّزْتَ سَبْقًا ... غَيرُ مَدْفُوع عَن السَّبْقِ العِرَابُ
فالعراب مرفوع بمدفوع، ومن جعل العرابَ مبتدأ فقد أخطأ؛ لأنه يصير التقدير؛ العراب غير مدفوع عن السبق، والعراب جمع فلا أقل من أن يقول غير مدفوعة؛ لأن خبر المبتدأ لا يتغير تذكيره وتأنيثه بتقديمه وتأخيره، تقول: الشمس طالعة، وطالعة الشمس، لا يجوز: طالع الشمس؛