ولم يتقدم قبل ذلك شيء ينصرف إليه؟ فقال المفضل: قد جرت عادة العرب أن يقدموا قبل المديح تشبيهًا، ووصف إبل، ونحو ذلك، وكان زهير همَّ بذلك ثم قال لنفسه: دع هذا الذي هممت به مما جرت به العادة واصرف قولك إلى مدح هرم، فهو أولى من بدئ بذكره في الكلام، فاستحسن الرشيد قوله.
وكان حماد الراوية حاضرًا فقال: يا أمير المؤمنين ليس هذا أول الشعر، ولكن قبله.
لِمنِ الديَارُ بِقُنَّةِ الحِجرِ ... أَقْوَيْنَ مُذْ حِججٍ وَمُذْ دهرِ
إلى أن قرأ الأبيات الثلاثة، فالتفت الرشيد إلى المفضل، فقال: ألم تقل أن: "دع ذا" هو أول الشعر، فقال: ما بهذه الرواية إلا يومي هذا، ويوشك أن تكون مصنوعة، فقال الرشيد لحماد: أصدقني, فقال: يا أمير المؤمنين أنا زدتها (?) هذه الأبيات، فقال الرشيد: من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد.
الاستشهاد فيه:
في قوله: "مذ وحجج ومذ دهر" فإن مذ ها هنا لابتداء الغاية في الزمان الماضي وجرها الماضي، وهو قليل, وذلك لأن أكثر العرب وجوب جرها للحاضر, وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه، وجر مذ ها هنا من القليل (?).
قفَا نَبكِ مِنْ ذِكرى حبيبٍ وعرفان ... وَربعٍ آثَارُهُ مَنْذُ أَزْمَانِ
أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي (?)، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وعروضه ليست بمقبوضة؛ لكونه (?) مصرعًا، وهذا أولها، وبعده (?):
2 - أتتْ حججٌ بعدي عليها فأصبحت ... كخطِّ زَبُورٍ فيِ مصاحفَ رُهْبَانِ