طرح الكل بين يدي من هو أملك له، وأولى به.
وأما الجواب الآخر فهو بشرى عظيمة، على نعمة جسيمة، لمن حصل له هذا العلم، وذلك غيب لو اطلع عليه، وسر لو وصل إليه، لكان ما يجده الإنسان فيه من الروح والراحة، والخير في العاجلة والآجلة، يكفيه مؤونة هذا الخطب الفادح، وينهيه عن تجشم هذا الكد الكادح، فاجعل أيها المفكر لشرف هذا العلم بدل طلبك ما يخفي عنك خفيه ومكنونه، تذللاً لله تقدس اسمه، فيما استبان لك معلومه، وصح عندك مظنونه.
ثم قال: اعلم أن العلم حق، ولكن الإصابة بعيدة، وما كل صواب معروفاً، ولا كل محال موصوفاً، وإنما كان العلم حقاً، والاجتهاد في طلبه مبلغاً، والقياس فيه صواباً، والسعي دونه محموداً، لامتثال هذا العالم السفلي، بذلك العالم العلوي، واتصال هذه الأجسام القابلة، بتلك الأجرام الفاعلة، واستحالة هذه الصور بحركات تلك المتحركات المتشاكلة بالوحدة. وإذا صح هذا الاتصال والتشابك، وهذه الحبائك والربط، صح التأثير من السفلى بالمواصلات الشعاعية، والمداءبات والأحوال الخفية والجلية. وإذا صح التأثير من المؤثر وقبوله من المقابل، صح الاعتبار، واتسق القياس، وصدق الرصد، وثبت الألف، واستحكمت العادة، وانكشفت الحدود، وانثالت العلل، وتعاضدت الشواهد، وصار الصواب غامراً، والخطأ مغموراً، والعلم جوهراً راسخاً، والظن عرضاً زائلاً.
ثم تشقق الكلام في وجوه مختلفة، حتى كاد لا يحصل منه ما يكون تلو المسألة والجواب، ولم أزل أرقى وأنفث، وأغزل وأنكث، حتى نظمت هذا الذي يمر بك في هذا المكان، على تنافر كثير، وتعاند شديد، وبين أول وآخر،