المقابسة السادسة والثلاثون
في أن الحق الأول منبجس الأشياء ومنبعها
سمعت النوشجاني يقول: البارئ الحق الأول والأحد منبجس الأشياء كلها ومنبعها، عنه تفيض فيضاً، وفيه تغيض غيضاً، لا على حد اللفظ الذي يرسم في عن فصلاً، وفي في وصلاً، بل على حد العقل الذي بالشيء على الشيء من غير إثبات بينونة، ولا تأسيس كينونة، فإن الأشكال والحدود من الأقوال والأغراض منفية في ساحة الألهية، لكنها رسوم محركة للنفوس تحريكاً، وكلمات مقربات من الحق تقريباً، تبلغ بالسامع إلى ما وراء ذلك كله تبليغاً، وكلما كانت هذه الرسوم أتم وأحسن، والكلمات أبهى وأبين، كان التحريك ألطف، والإدراك أشرف. ولهذا ما يضرب عن بيان إلى بيان، ويؤثر كلام على كلام، ومثال هذا التحريك حاضر من الأشكال والخطوط والصور والنقوش.
ثم قال: الوحدة شائعة في جميعها، ومحيطة بها كلها، ومشتملة عليها بأسرها، فصارت على هذه الأشياء بالوحدة تتشاكل وتتكامل، وبالكثرة تتخالف وتتفاضل، فالمعنى بالتصفح المولع بالتعرف، قد يلوح له تارة كالمركز من المحيط، وتارة كالمحيط من المركز، وتارة كالدرة في النحر، أعني بهذه الفقر ملائماً بينهما، فافطن له. فإذا لحظ الأول فكأنه صادر مع الصوادر، وإذا الحظ الثاني فكأنه وارد مع الموارد، وإذا لحظ الحشو بين الطرفين فكأنه كل هذا وكل ذاك، ومن أجل الإحاطة الشائعة والاشتمال الأول ما انقسم المطلوب عند الطالب بين المحيط والمركز انقساماً مفروضاً