عناد في هذه العناصر والجواهر مادامت سالكة نحو غاياتها ساحبة لقوامها إلى ما لها.
قال: ومن ظن في هذين العالمين غير ما هما عليه فهو في وادي الوهم وأسر الحسبان، أو به غلبة من مرة أوفساد من خلط، أو لعل تقليد من تقدمه قد أضله وأعماه وأصمه، لأن الحكمة بارزة، والأساس محكم، والقدرة ظاهرة، والعجائب منتشرة، والنظر مستخرج، والعقل مجد، والنفس بحاثة، والطبيعة متصرفة، والأمور موروثة، والأسرار مكتومة، والشواهد ناطقة، والأدلة حاضرة، والأعلام منصوبة. أنظر إلى الشمس في إشراقها، والنار في إحراقها، والنجوم في إئتلاقها، والبحور في أعماقها، والأرض في إثباتها، والجبال في انتصابها، والأودية في انسكابها، وإلى الغرائب في أضعافها وأثنائها، تعلم أن الذي هو واحد في الحقيقة هو أملك بها وأولى وأقدر عليها وأعلى عنها. وما أحسن ماقال بعض بلغاء الحكماء فإنه قال: لأمر ما ربطت الجواهر بالأعراض، ولأمر ما تحركت الكواكب والأفلاك، ولأمر ما تباينت العقول والأزمان، ولأمر ما تصرفت الليالي والأيام، ولأمر ما وضع هذا المهاد مركزاً لهذه الأوتاد، ولأمر ما لا يحجز المعاني المحرك عن تقديره أحد.
صدق هذا الحكيم الفاضل، لأمر ما ترى على سنن لا حب ودليل إما شاهد وإما غائب، وإمامن جهة الحس وإما من جهة العقل. وقد بان بما تشقق القول فيه من هذه المقابسة أن المتحرك الذي سكن في الثاني إلى مسكن غير من سلبه الحركة التي سكن بعدها، وليس المحرك مجبراً على التحريك فيحرك ولا يسكن، بل هو واهب الحركة للمتحرك ونازعها من الساكن، فالمحرك هو بعينه المسكن، والمتحرك بعينه هو الساكن، ومن كان طاهر النفس صافي القريحة صائب النظرن قصد الجواب ولحظ الحق بدون ما التأم ها هنا من البيان، ولم يحوج نفسه إلى شك مود إلى وحشة، فالحق أنس كل عقل، والباطل وحشة كل نفس.