المقابسات (صفحة 220)

بسبب، وإن كان مجموعاً. هذا كله يوجد في الإنسان وبالإنسان، ونعوذ بالله من الخبط في القول والعمل.

وقال آخر: إن البدن يستحيل من حال إلى حال فيكون مرة مواتاً ومرة حيواناً، وضرب مثلاً فقال: لما رأينا الأجسام تستحيل عن طبائعها وتستحدث أفعالاً لم تكن لها كالماء يستحيل بخاراً صاعداً بعد أن بدأ هابطاً، وكالماء يغذو ثمر الأزهار ويستحيل دهناً ثم يعود الدهن ناراً عند قلب إناه واغتذائها به، فلم لم يكن في طبعه من استحالته ألا يستحدث فعلاً وانسلخ من فعل غيره قضينا على أبدان الحيوان بالاستحالة والتكفؤ بين الموت والحياة، والحركة والسكون فقلت: الحي هو الميت مستحيلاً، ولاميت هو الحي مستحيلاً، وضرب مثلاً فقال: مثال ذلك عصير العنب يكون عذباً حلواً غير مسكر، ثم يستحيل خمراً مراً مسكراً، ثم يعود خلاً حامضاً مخدراً، والعنبة واحدة لم تبرح إلا أنها استحالت فتغيرت أفاعيلها لتغير حالاتها، وكذلك البلحة تكون بسرة، ثم رطب، ثم تمرة فهذه جملة أقاويلهم في أن النفس ليست بعين.

وأما من زعم أن النفس عين فإنهم اختلفوا في كيفيتها وموضعها وزمانها وحركتها وسكونها وجمع أفعالها، فزعم منهم زاعم أنها عين سوى البدن ذات موضع يعلم بمفارقتها البدن. وزعم آخر أنها في جميع أجزاء البدن النامية. زعم آخر أنها ليست تكون إلا في مواضع الحس. واحتج آخر أنها لا تعلم إلا بمفارقة الجسد. وقال: لم نر النفس تعلم إلا صوتاً او عرفاً أو طمعاً أو لوناً أو لمساً، وهذه الأشياء الخمسة لا تقع إلا في هذه الأجزاء الخمسة البقية من البدن، وهي: العين والأنف والأذن واللسان وسائر البدن للحس، فلما رأينا النفس محتاجة إلى هذه الحواس الخمس قضينا عليها بالجهل إذا كانت مفردة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015