المقابسات (صفحة 214)

عقلاً أولاً، ثم نظره إليه إنما هو استمداده من الصورة التي صورت فيه بدياً، لأنه وقع فيه جميع الصور، فاستمداده ليس بزيادة صور لم تكن وكانت. ولكنه ليبقى ويقوى كما يستمد الهواء من نور الشمس، فهو يزداد من غير صورة تحدث فيه، كذلك النفس إنما تستمد من العقل الصور وهي على حالها، وكذلك الطبيعة تستمد من النفس وتقوي بها، ولكن إشراقها عليها يبقي قواها، ولولا ذلك لضعفت وانتقصت.

وقال: لنا علمان، أحدهما علم محض، كعلمنا بالأشياء الأوائل بلا روية ولا فكر، كما نعلم أن عدد كل زوج أو فرد، فإنه لا يمكن أن يكون الشيء الواحد في حالين مختلفين، كالإنسان لا يمكن أن يكون قائماً قاعداً معاً، وكعلمنا أن كل متحرك من ذاته دائم الحركة، وكقولنا كل دائم الحركة بجوهره دائم الحياة، ولنا علم فكري مثل علم القياس الذي يستنبط منه الشيء من شيء آخر، كقولنا: الإنسان حي والجوهر حي، فالإنسان إذاً جوهر.

وقال قائل: إذا قويت الهيولى علينا لم نقو على وجدان الذي فينا إلا بطلب وبحرص وبسبح وغوص، فإذا استولينا نحن نعقل العقل الأول وكانت الأشياء فيه وهي هو فكيف يمكن أن نتذكر الأشياء والأشياء فيها، والتذكر إنما يكون في أثناء الأوقات لأنا ننسى في وقت ونذكر في وقت آخر، وهناك الدهر لا الوقت.

وقال الفيلسوف: الذكر إنما هو حركات الفكر على الوهم الحاري حتى يرد ما في خزانته على ما كانت الفكرة تحركت به.

وقال قائل: الفكرة إنما تقع على الشيء المفقود، والعلم يقع على الشيء الموجود، والأشياء في العقل الأول حاضرة أبداً.

قال: إذا أردنا أن نحس بأنفسنا فإن نعلم العلوم الشريفة حرصنا على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015