لم توشح بشيء من الخير ولا فيها انقياد له، فما أحرى من هذا حده وشأنه، ومقره ومكانه، أن ينجذب إلى ما يعز به ولا يذل، ويوجد به ولا يفقد، وينال به ولا يخفق؟ وما أشقى من هذا حديثه مع التمكين والاستطاعة، والقدرة والقوة، والتذكرة والتبصر، إن تردى من ربوته، وذهب في هوته وبقي خاسئاً حسيراً، ومقيد أسيراً، بلا فكاك ولا إطلاق، ولا رحمة ولا إشفاق؟! قال أيضاً: قال أفلاطن: من ملك منطقه سمي حليماً، ومن ملك غضبه سمي شجاعاً، ومن ملك شهوته سمي عفيفاً. قال: وقيل لأفلاطن: أي الأمرين أعلى درجة، أن يقول ما يعلم أو يعلم ما يقول؟ فقال: أن يقول ما يعلم، لا، مرتبة العلم فوق مرتبة القول. قال: وهذا كما قال؟ فالقول تابع للعلم، وهذا هو الحق ليكون العلم أولاً وأصلاً، وإذا علم ما يقول. فكأن العلم مقصور على قوله من غير أ، يكون قائماً بنفسه، ثابت في معدنه، جار من ينبوعه.
وهذا آخر ما فهمناه عنه في هذا الفصل، ولعل المطالبة بزيادة شرح ممكنة، فإن المغزى فيه لطيف، والبيان عنه عزيز.
وقال بعض الأوائل: الإنسان الذي لا يعمل بعلمه كالشجرة المورقة لا ثمر لها. وقال آخر: البخيل الغني كالجبان القوي. وقال آخر: من الصورة والهيولى يكون الحد، ومن الصورة والعلة يكون الإيضاح. ثم قال: وهذا صحيح، لأنه لا وجود لشيء إلا بصورته وهيولاه، فأما الهيولى بذاتها فغير موجودة، وكذلك الصورة، فكل ما يقوم قائماً يتقوم بهما ثم يصير ذلك المتقوم صورة أخرى محفوظة الظاهر والباطن إلى الأولين اللذين هما الهيولى والصورة. ثم على حسب ما عليه الصورة في هذا المتقوم يكون شرف جوهره لأنه يستفيد البساطة من الصورة، والتركيب من الهيولى، وذلك على حسب ما عليه هولاء فيه ضعة جوهره وسلان عنصره. فكل حيوان غير