المقابسات (صفحة 141)

لاستيفائها إذا بان المراد في عرضها وأثنائها، وإذا استقر هذا مفهوماً وتوضح بياناً، فالواجب كان جميع ما يحديه الشرع من هذا الضرب ليجد الخاصى فيه إشارة تشفيه، والعامي عبارة تكفيه.

فقال بعض الحاضرين: إنا قد وجدنا للأوائل في التوحيد كلاماً كثيراً متقارباً، ولم يكن صفا لهم أيضاً ما كدر على غيرهم، وهذا يدل على أن ماس نطق به الناموس، قريب مما يسنح في النفوس.

فقال: إنا لا نظن أن كل من كان في زمان الفلاسفة بلغ غاية أفاضلهم وعرف حقيقة أقوال متقدميهم، بل كان في القوم من رآى رأي العامة وحط إلى ما حطت إليه، ولم يبن منهم كثير شيء مع قدم الزمان ولقاء المحقين الفاضلين. وهذا إذا حصل لا يكون قادحاً فيما نصصناه من القول في حقائق التوحيد الذي ظفر به خلصان الحكمة وفرسان الصناعة. على أن الترجمة من لغة يونان إلى العبرانية، ومن العبرانية إلى السريانية، ومن السريانية إلى العربية، قد أخلت بخواص المعاني في أبدان الحقائق، إخلالاً لا يخفى على أحد. ولو كانت معاني يونان تهجس في أنفس العرب مع بيانها الرائع. وتصرفها الواسع، وإفتنانها المعجز، وسعتها المشهورة، لكانت الحكمة تصل إلينا صافية بلا شوب، وكاملة بلا نقص. ولو كنا نفقه عن الأوائل إغراضهم بلغتهم كان ذلك أيضاً ناقعاً للغليل، وناهجاً للسبيل، ومبلغاً إلى الحد المطلوب. ولكن لا بد في كل علم وعمل من بقايا لا يقدر الإنسان عليها، وخفايا لا يهتدي أحد من البشر إليها؛ وهذا لكي يكون الله تعالى ملاذاً للخلق ومعاذاً للعالم، وهذا الذي سرى بين الجميع في الانقياد والطاعة حتى حصل هذا مستجيباً لما هو صامد له بطباعه، وهذا صائر إلى ما هو مدعو إليه، فإنه وكنه. هذه العيوب معترف به في الجملة، ومسلم إليه في التفصيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015