المقابسة السابعة والأربعون
في أن العقل مع شرفه وعلو مكانه لا يخلو من انفعال
قيل لأبي سليمان بأي شيء تعرف أن في العقل مع شرفه وعلو مكانه انفعالاً؟ فقال: باستحسانه واسقباحه. لأن هذين انفعالين، ولكنهما انفعالان على طريق الاستحاله؛ وكأنه يدور على نفسه أو يقتبس من الذي هو أعلى منه، ويثب عما دونه ويشنع عليه، فهذا يوهم بالانفعال على جهة التقريب، لأن مرتبة هذا الانفعال فوق مرتبة كل فعل مما هو دون العقل. ومما يزيدك استبانة لهذا المعنى واستقامة إليه، أن هذا الانفعال هو الانفعال الأول الذي ليس فوقه انفعال البتة فالحق أن الأولية نسبة إلى الفاعل الأول الذي لا فاعل فوقه البتة. وكما هبط الانفعال في المنفعل بعد بعد المنفعل حسن وبعد عن ذلك الشرف الذي كان بالنسبة الأولى كالفعل الذي كلما هبط أيضاً في الفاعل بعد الفاعل يحسن ويبعد من شرف الفاعل الأول بالإطلاق الذي هو علة كل ما هو علة له. فأنت إذا اعتبرت فاعلاً بعد تفاعل حتى تنتهي من عندك إلى الدرجة القصوى، مررت بأقسام الفاعلين ومراتبهم أيضاً، كذلك إذا اعتبرت أيضاً منفعلاً بعد منفعل حتى تنتهي من هناك إلى ناحيتك الدنيا، مررت بأقسام المنفعلين. وهذه أمور بينة أتم بيان وثابتة على أكمل بهجة وأفضل رابة، لا يتخللها خلل بوجه ولا سبب إلا ما يخيل منها الحس الكذوب الذي لا يوثق بقضائه، ولا يسكن إلى حكمه فأما التصفح العقلي فقد أتى على هذه كلها بما أهدى إلى النفس من السكون ونفى عن حقائقها الظنون، والسلام.