المقابسات (صفحة 102)

عليه، والنظام فيه، والتمام به، والبقاء معه. ولم يعد ناكصاً على عقبيه متمنياً لأن يكون على هيئة شيء هو الآن بنفسه أشرف نفساً وأكمل وزناً وأبقى شخصاً وأكرم جوهراً.

وأواصل هذا الفصل بحديث آخر دفعنا إليه في هذه الأيام لتكون هذه المقابسة مستوفاة، ولعلك لا تخلو فيه أيضاً من فائدة تكون رفداً لما سبق وإيقاظاً لنفسك في المستقبل، ترى الإنسان يبصر فيها، بل هي عيونه التي يرى فيها، بل هي حقوله التي يستثمرها، ونواضحه التي إذا نيل منها عرف كيف المعرس والمسرى وكيف الصبح إذا بدا وانجلى، وأبصر بين يديه كلما دب ودرج ونشأ.

شاهدنا في هذه الأيام شيخاً من أهل العلم ساءت حاله، وضاق رزقه واشتد نفور الناس عنه، ومقت معارفه له، فلما توالى هذا عليه دخل يوماً منزله ومد حبلاً إلى سقف البيت واختنق به، وكانت نفسه في ذلك. فلما عرفنا حاله جزعنا وتوجعنا وتناقلنا حديثه وتصرفنا فيه كل متصرف فقال بعض الحاضرين: لله دره! لقد عمل عمل الرجال! نعم ما أتاه واختاره! هذا يدل على عزازة النفس وكبر الهمة! لقد خلص نفسه من شقاء كان طال به، وحال كان ممقوتاً فيه مهجوراً من أجله، مع فاقة شديدة، وإضاقة متصلة، ووجه كلما أمه أعرض عنه، وباب كلما قصده أغلق دونه، وصديق إذا سأله اعتل عليه؟! فقيل لهذا العاذر: إن كان قد تخلص من هذا الذي وصفت على أنه لم يوقع نفسه في شقاء أخر، أعظم مما كان فيه وأهول، وأدوم وأبقى، فلعمري نعم ما عمل؟ لله أبوه ما أحسن ما اهتدى إليه وقوي عليه؟! وينبغي لكل عاقل أن يدفع إلى ما دفع إليه، ويقتدي به ويصير إلى رأيه واختياره؟ وإن كان قد سمع بلسان الشريعة أي شريعة شئت، القديمة والحديثة - النهى عن هذا وأشباهه، فقد أتى بما عجل الله به العقوبة والعار، وأجرى عليه عذاب النار. سبحان الله! أما كان يسمع من كل عاقل ولبيب، وعالم وأديب، ومن كل من يرجع إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015