وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] ، وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] ، وغير ذلك.
الوقفة الخامسة: دلالة الفطرة على توحيد الربوبية 1
هذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء؛ فالله عز وجل فطر خلقه على الإقرار بربوبيته، وأنه الخالق الرازق، المحيي المميت، إلخ. وقد حكى الله عز وجل عن المشركين أنهم يقرون بهذا النوع من التوحيد، فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87] , {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63] فهم ينسبون لله سبحانه: الخلق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الأمر؛ من رزق، وإنزال مطر، وغير ذلك.
الوقفة السادسة: موقف المشركين من توحيد الربوبية
ذكرنا في الوقفة السابقة أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، ومع ذلك حكم عليهم الله سبحانه وتعالى بالكفر، ودمغهم بالشرك؛ فقال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُون} [يوسف: 106] . والملاحظ أن الله عز وجل نسب إليهم في هذه الآية إيمانا، مع حكمه عليهم بالشرك، وهذا الإيمان الذي أثبته لهم، قولهم: إن الله خلقنا، ويرزقنا، ويميتنا، فهذا إيمانهم، مع إشراكهم في عبادتهم غيره2.
وهذا التوحيد كما أقر به المشركون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أقرت به سائر الأمم، إما ظاهرا وباطنا، أو باطنا فقط. وفرعون الذين أنكره ظاهرا، أقر به باطنا كما حكى الله عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُم} [النمل: من الآية 14] 3.
الوقفة السابعة: هل يكفي توحيد الربوبية وحده؟
وهل يدخل صاحبه في الإسلام؟
لا يكفي توحيد الربوبية وحده، ولا يدخل صاحبه في الإسلام، ولذلك قاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقر به، وصرف العبادة لغير الله.