منزلة العقل ومجالاته في الإسلام:
الله عز وجل امتن على الإنسان بنعمة العقل الذي ميزه به عن سائر الحيوانات. وهذه النعمة هي التي ترفع صاحبها إلى مستوى التكاليف الشرعية الإلهية، وتؤهله لإدراكها وفهمها1.
وليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني، وتكريمه، والاعتماد عليه في فهم النصوص كالعقيدة الإسلامية، ويبدو هذا واضحا في آيات كثيرة من كتاب الله، مدح الله عز وجل فيها العقل، ورفع من شأنه، من خلال توجيهه إلى النظر، والتفكر، والتدبر، والتأمل2.
ولكن لما كان للعقول في إدراكها حد تنتهي إليه لا تتعداه، لم يجعل الله لها سبيلا إلى الإدراك في كل مطلوب3؛ فلم يجعل لها سبيلا لإدراك أغلب مسائل الاعتقاد؛ إذ لا يمكن للعقول أن تستقل بمعرفتها لولا مجيء الوحي بها وبأدلتها العقلية. وما على العقول إلا فهمها وتدبرها.
وأيضا، فإن كثيرا من مسائل الاعتقاد لا تدرك العقول حقيقتها وكيفياتها، ولو فهمت أدلتها وتدبرتها؛ كالروح التي في أجسادنا: عسر على الناس التعبير عن حقيقتها لما لم يشهدوا لها نظيرا4. وكذا صفات ربنا عز وجل، رغم أننا فهمنا معانيها بعقولنا من اعتبار الغائب بالشاهد، إلا أن حقيقتها وكيفياتها لا تدركه عقولنا؛ لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف. والموصوف عز وجل ليس كمثله شيء؛ فهو متصف بصفات الكمال التي لا يماثله فيها شيء5. وكذا ما أخبر الله جل جلاله عنه من أمور الآخرة؛ كالجنة ونعيمها، والنار وجحيمها، وغير ذلك من المغيبات، ليست من مدارك العقل، ولا في متناوله، مع أن العقل يقر بها، ولا يحيلها6.