المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الإباء والاستكبار"

أولا: تعريفه

هو أن يعرف الإنسان الحق بقلبه، ويعترف به بلسانه، ولكنه يأبى أن يقبله أو يدين به؛ إما أشرا وبطرا، وإما احتقارا له ولأهله، أو لسبب آخر1.

ثانيا: من الأمثلة عليه، مع الأدلة

1- كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله عز وجل، ولا قابله بالإنكار، وغنما تلقاه بالإباء والاستكبارا2؛ كما قال عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] .

2- كفر من عرف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالحق من عند الله عز وجل؛ عرف، وأقر بذلك، ولم يشك في صدقه؛ لكنه لم ينقد إليه إباء واستكبارا، أو أخذته الحمية وتعظيم الآباء أن يرغب عن ملتهم، أو يشهد عليهم بالكفر2.

وخير من يمثل هذه الحال: أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي عرف صدق ابن أخيه، واعترف بذلك قائلا:

ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا3

لكن هذه المعرفة والإقرار لم ينفعاه؛ لأنه أبى أن ينقاد ويقول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"؛ خشية أن يقال: ترك دين آبائه وأجداده. وقد سأل العباس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال أبي طالب في الآخرة، فأجابه: "هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" 4؛ فهو خالد في النار، لكن عذابه أهون من غيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015