من استغل الحادث لإيلام الرسول من المنافقين والذين لم يكن الإيمان قد دخل قلوبهم، وأن يمعن في الإفك وفي إيلام الرسول، وقد اعتذر بعد ذلك كما رأينا بعذر بارد، حاول أن يتنصل فيه مما قاله في الإفك، مع أنه كان صنوا لعبد الله بن أبي في ذلك الحديث.

ولما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، قال حسان قصيدته:

بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتهمد1

وقال قصيدة أخرى مطلعها:

ما بال عينك لا تنام كأنها ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعت على المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطأ الحصى لا تبعد

وقال قصائد أخرى في رثائه2.

وكان حسان من المتعصبين ليثرب على مكة، ونجد في شعره عصبية لليمن، وتفاخر شديدا بالأزد، والأزد من اليمن، وبنو غسان من الأزد. وهي عصبية قديمة، تعود إلى ما قبل الإسلام. يظهر أن سببها اختلاف ما بين المديتنين في الطباع وفي الطبيعة والأحوال الاقتصادية والزعامة، وقد فرح ولا شك حين كلفه الرسول بالرد على شعراء قريش، وهو حاقد عليهم منذ أيام الجاهلية. وقد بقيت هذه العصبية كامنة في نفسه حتى في الإسلام، وكاد أن يؤجج نارها مرارا بين الأنصار والمهاجرين، وقد نهاه عمر عن التعرض لأمور الجاهلية وأيامها ومن إنشاد ما كان قد قيل من شعر الجاهلية بين أهل يثرب وقريش، حذر الفتنة، وعودة العصبية الجاهلية الأولى. وكان "عمر" قد نهى أن ينشد الناس جميعا من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام3. ويظهر أنه لم يكن مثاليا بدليل هذه النزوات التي صدرت منه وهو في الإسلام وكادت تثير فتن الجاهلية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015