وفي شعر شعراء القرى، مزية امتازوا بها عن شعر شعراء أهل البوادي، هي أن أبيات القصيدة عندهم ليست على نحو أبيات القصيدة عند بقية الشعراء من استقلال الأبيات بنفسها، وقيامها بذاتها بحيث يمكن رفع الأبيات من مواضعها وتقديمها أو تأخيرها، أو حذفها، دون أن يؤثر ذلك على وحدة القصيدة أو المعنى. ففي شعر "الأعشى" مثلا، ترابط بين الأبيات واتصال بين البيت المتقدم والبيت الذي يليه، بحيث لا يمكن حذف أحدهما ورفعه، دون أن يؤثر حذفه على المعنى، كذلك يتعذر علينا في بعض شعره نقل البيت عن موضعه، وقد يأتي الأعشى بالفعل في بيت ثم يأتي بفاعله أو بمفعوله في البيت التالي، أو يأتي بفعل الشرط في بيت ويأتي بخبره بعد بيت أو بيتين1. ويرد التضمين في شعره، كما نجد "الاستدارة" فيه كذلك، والاستدارة توالي مجموعة متلاحمة من الأبيات تجري على نظام متسق، يقوم فيه كل بيت بنفسه في معناه، ولكن المعنى التام لا يتم إلا بالبيت الأخير منها. وهو أسلوب يثير السامع ويشوقه، ويجعله يتتبع الكلام حتى يبلغ منتهاه2.

وأشعر شعراء "البحرين" الذين ذكرهم "ابن سلام": المثقب العبدي، والممزق العبدي، والمفضل بن معشر3.

و"المثقب العبدي" واسمه "عائذ بن محصن بن ثعلبة"، من "بني عبد القيس"، من شعراء الجاهلية، وإنما سمي مثقبا لقوله:

ظهرن بكلّة وسدلن أخرى ... وثقبن الوصاوص للعيون4

وذكر "ابن قتيبة" أن اسمه "محصن بن ثعلبة"5، وقيل اسمه شأس بن عائذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015