المدينة البعيدة عن عاصمته القديمة، أم هي عوامل عسكرية, أو اقتصادية, أو بواعث شخصية لا تتعلق بهذه ولا بتلك؟ أما إجابات المؤرخين، فهي مختلفة ومتنوعة. منهم من رأى أن لتيماء أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية لوقوعها في ملتقى طرق تجارية عالمية بالنسبة إلى ذلك العهد، والاستيلاء عليها والبقاء فيها معناه كسب عظيم, وربح كبير بالنسبة إلى عالم السياسة في ذلك اليوم. ومنهم من رأى أن ذلك كان لأثر مزاج الملك وطبيعته ورغبته في التخلص من أمراض بابل؛ بسكناه في محل جاف مرتفع زهاء "3400" قدم عن سطح البحر.

وتيماء مركز مهم، ذكر كما رأينا في نصوص الآشوريين، وهو من الأماكن القديمة المذكورة في التوراة، وهو فيها كناية عن أحد أبناء إسماعيل، مما يدل على أنه كان من المواطن الإسماعيلية، ويقع على مسافة "200" ميل إلى الجنوب الشرقي من رأس خليج العقبة، وبمثل هذه المسافة إلى الشمال من المدينة، وعلى بعد "65" ميلًا من شمالي العلا. وبها عين غزيرة المياه، هي التي بعثت الحياة في هذا المكان, وتعد أشهر عين ماء في جزيرة العرب1، تستعمل للسقي، ولإرواء المزارع التي تنبت مختلف الفواكه والتمور والحبوب. وهواؤها صحي جيد، ولا تزال مأهولة، فهي في الزمن الحاضر كناية عن قرية يزيد عدد سكانها على الألفين، يسكنون في بيوت من طين وفي أكواخ2.

وعلى مقربة من "تيماء" خربة فيها أحجار ضخمة مربعة، وبقايا عمران قديم, يظن بعض العلماء أنها موضع معبد عتيق. ويرى بعض من زارها أنها كانت مدينة لا تقل ضخامةً عن "الحجر" وعن المدن الأخرى التي ترى آثارها في العربية النبطية حتى الآن. ولم تفحص هذه الخربة التي يسميها الناس "توما" "Tuma" فحصا علميا3. وقد يعثر فيها على كتابات آشورية وبابلية ويونانية وإرمية وعربية ترينا أثر الاتصال الثقافي الذي كان في هذه المواضع التي تعد ملتقى القوافل والتجار والثقافات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015